معركة جديدة ومهمة يخوضها البنك المركزي لحماية العملة الوطنية

بعد نحو شهر من التفاؤل الذي ساد القطاع المصرفي والمالي، عادت غيوم الغموض وسحب الشائعات لتطل برأسها على هذا القطاع الحيوي من جديد.
وفيما تمكن البنك وبدعم إقليمي ودولي أن يكون صوته الأعلى خلال الشهر الماضي بدأت لوبيات المضاربة بالعملة والتي تضررت من القرارات المتتابعة تتحرك من جديد مستخدمة واجهات وأقنعة متعددة.
خلال إجازة نهاية الأسبوع الفائت (من مساء الخميس إلى صبيحة الأحد) شهدت أسعار العملة الوطنية اضطراباً بدا غير مفهوم غذته شائعات عن هبوط وتراجع سعر العملة فيما أسماها بعضهم "المرحلة الثانية من تعافي العملة الوطنية" وازدحمت محلات الصرافة بالمواطنين الذين يبيعون ما لديهم من نقد أجنبي بعد أن استمرت أسعار العملة المحلية بالتراجع وصولاً إلى نحو 250 ريالًا للريال السعودي، فيما بلغ سعر الدولار الـ950 ريالاً.
ذلك التراجع والتذبذب الحاد، اتضح لاحقًا أنه ناتج عن مضاربات غير قانونية، لا علاقة لها بالبنك المركزي الذي قال كلمته يوم الأحد، وقرر "الإبقاء على السعر المعلن من قبله لأسعار صرف الريال اليمني مقابل الريال السعودي كما هو معلن: 425 للشراء و428 للبيع، واعتماده للتعامل في كافة المعاملات".
وإضافة إلى ذلك، قرر المصرف الوطني "أن كل ما تم شراؤه من مبالغ من قبل البنوك وشركات الصرافة من العملات الأجنبية خلال اليومين الماضيين يُعد ملكًا للبنك المركزي واللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات"، متوعدًا "باتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة بحق المخالفين من شركات ومنشآت الصرافة المتماهية مع قوى المضاربة الهادفة إلى العبث بالاستقرار والثبات لسعر صرف العملة الوطنية الذي تحقق خلال الفترة الماضية".
التعافي الوهمي للعملة، وعودة الريال السعودي في غضون 48 ساعة من 250 إلى 425 ريالاً، وما خسره المواطنون في يومين من مدخرات، فجّرت موجة من الانتقادات والاتهامات التي وُجّهت للبنك المركزي، خاصة بعد قراره الاستحواذ على ما تم شراؤه من العملات الصعبة بدل الأمر بإعادتها لأصحابها.
ووصل الأمر ببعضهم إلى حد اتهام البنك المركزي بالمساهمة في المضاربة عبر حالة الغموض التي يدير بها الملف المالي، وعدم إعلان قراراته في سعر الصرف عبر قنوات واضحة، وكذلك عدم التدخل السريع ووضع حد للمضاربة والارتباك الذي حدث في سوق الصرف خلال يومي الجمعة والسبت.
ومن اللافت أن الانتقادات للبنك المركزي شاركت فيها شخصيات تعمل في الأجهزة الرسمية للدولة، وجهات محسوب بعضها على أطراف مشاركة في مجلس القيادة والحكومة التي يقودها سالم بن بريك، الذي يُنسب له ولمحافظ البنك أحمد غالب المعبقي الفضل في التعافي النسبي الذي يشهده القطاع المصرفي منذ أواخر يوليو الماضي.
البنك يتهم عاملين في الأجهزة الرسمية
البنك المركزي، بدوره، اتهم في بيان شديد اللهجة مسؤولين يعملون في الأجهزة الرسمية للدولة بقيادة حملة تحريض وتشويه ممنهجة ضده، قد يمتد أثرها إلى الاستقرار الذي تحقق في وضع العملة الوطنية.
وحذر البنك من الآثار الخطيرة لحملات التحريض والتشويه التي تستهدفه، وتستهدف ما تحقق من استقرار واعد في وضع العملة الوطنية، من قبل بعض المحسوبين على الأجهزة الرسمية للدولة.
وعبر عن أسفه لما يتعرض له من حملات تحريضية مشبوهة، لا تستهدفه فقط كمؤسسة سيادية، بل تستهدف أيضًا "ما تحقق من استقرار واعد في وضع العملة الوطنية، ومنظومة الإصلاحات التي لا تزال في بدايتها".
وندد البنك بما قال إنها حملات التشويه التي تطال القطاع المالي والمصرفي "من قبل بعض المحسوبين على الأجهزة الرسمية، وسط صمت تام من قبل السلطات المعنية"، مذكرًا الجميع بحساسية هذا القطاع، وخطورة ما يتعرض له من حملات تشويه وانتهاكات تؤثر على الاستقرار الاقتصادي، وانسيابية سلاسل الإمداد.
"الصرافون الجنوبيون" في مواجهة البنك
وكانت ما يعرف بـ"نقابة الصرافين الجنوبيين"، خرجت ببيان وجهت فيه اتهامات مباشرة للبنك ومحافظه بالتورط في عملية المضاربة والارتباك الذي حصل.
وقالت النقابة في بيان لها، الأحد : "نضع علامات استفهام جدّية على بطء الاستجابة في البنك المركزي اليمني – عدن، وتحديدًا على مستوى مكتب المحافظ ودوائر القرار، إزاء تطورات مصرفية حسّاسة كان يلزمها تدخلٌ فوريٌّ مُعلَن ومُعلَّل بالأرقام".
وفي البيان الذي بدا كرد على قرار البنك المركزي عقب انخراط شركات الصرافة في عملية المضاربة واستفادة مالكيها من التعافي الوهمي يومي الجمعة والسبت، وانزعاجهم من قرار البنك بالاستحواذ على ما اشتروه من عملات أجنبية قال بيان النقابة إنه "غاب عن السوق بيانٌ مرجعيٌّ محدّد التوقيت والمضمون يُظهِر أين يقف البنك المركزي وما هي أدواته وتتابُع قراراته.. هذا الصمت المُطوَّل، المقرون بتسريبات وانتقائيةٍ في إيصال المعلومة، يخلق انطباعًا بوجود إدارة ظلّ تُحدِّد الإشارات بعيدًا عن قنوات الاتصال الرسمية؛ وهو أمرٌ خطِرٌ على استقرار السوق وثقة الجمهور".
وشككت النقابة في إجراءات البنك المركزي وإدارته للملف: "السوق النقدي لا يُدار بتمنيات عامة، بل بلوحة بيانات معلنة وإجراءات تشغيلية على مدار الساعة".
وقالت إنه "حين تتأخر الاستجابة أو تتبدّل الإشارات بلا تفسيرٍ منشور، يتولّد فراغٌ تعويضيٌّ تملؤه الشائعات والمضاربات، وتُدفَع كلفته فورًا إلى رفوف المتاجر وفاتورة الدواء وتذاكر النقل ورسوم التعليم".
وهاجمت النقابة المحافظ شخصيًا، قائلة: إن "الغموض اليوم يُعزى بحُكم الموقع والمسؤولية إلى رأس الإدارة النقدية قبل سواها".
ومن اللافت ربط القطاع المصرفي الاتهامات للمحافظ، بعدم انخفاض أسعار السلع الأساسية، وانعكاس التعافي على المستوى المعيشي للمواطنين، وهي مسؤوليات الحكومة وأجهزتها المختلفة ووزارات الصناعة والتجارة والأجهزة الأمنية المعنية بتنفيذ القرارات بقوة القانون، إذ قالت النقابة: "لا فرحَ في رقمٍ على شاشةٍ إذا لم يصل أثرُه إلى قِفّة البيت وكيس الدواء؛ نريد سعرًا يطمئن ربّة المنزل وصاحب البقالة والعاملَ بالأجر اليومي، لا مجرّد عنوانٍ عابر".
وحملت النقابة "مكتب المحافظ مسؤولية عودة الانضباط الاتصالي والتنفيذي خلال أقرب وقت، لأنّ استمرار الضبابية ينسف الثقة ويُغذّي سلوكياتٍ مضاربية".
العصا الأمنية
وفي تصعيد خطير، أظهر أمر عملياتي صادر عن قيادة الحزام الأمني الخاضعة للمجلس الانتقالي في العاصمة المؤقتة عدن، تدخل هذا الجهاز بشكل مباشر على خط المضاربة التي حصلت يومي الجمعة والسبت، بعيدًا عن قرارات البنك المركزي والإجراءات القانونية والقضائية الحاكمة.
وجاء في التعميم أن قائد هذا الذراع الأمني وجه القطاعات الأمنية بإشعار المواطنين الذين قاموا بصرف عملة أجنبية بأقل من سعرها المقرر من البنك المركزي، بالتوجه إلى أقرب قطاع في منطقتهم للنزول معهم مباشرة إلى شركة الصرافة وإجبارها على تسليم فارق الصرف له، بموجب السند الذي لديه.
وبرر التعميم هذا التدخل المباشر من الذراع الأمني للانتقالي، بأن ما حدث "من محلات الصرافة تحايل واضح على المواطن المغلوب على أمره، ومن المنطلق الإنساني والأخلاقي والوطني بأن يتم تسليم فارق صرف المبالغ المالية لأصحابها".
وأكد التعميم أن "أي محل صرافة يخالف ويرفض تسليم فارق الصرف للمواطن بحسب المبلغ المالي الذي قام بصرفه لديهم، يتم إغلاق محل الصرافة وحجزه وإحالته إلى مقر قوات الحزام الأمني في العاصمة عدن".
هذا التصعيد غير القانوني والخطير من قبل الحزام الأمني، جاء بعد قيام مواطنين في عدن ولحج، بالتجمهر جوار محال الصرافة وإغلاق بعضها، مطالبين باستعادة أموالهم المصروفة أو دفع الفارق.
البنوك تنحاز للمركزي وصرّافو عدن يعلنون الإضراب
من جهتها، أدانت جمعية البنوك اليمنية – عدن، الحملات الإعلامية التي طالت القطاع المصرفي على منصات التواصل الاجتماعي، واعتبرتها محاولة لزعزعة الثقة بالإجراءات التي ينفذها البنك المركزي لدعم استقرار العملة الوطنية.
وقالت الجمعية في بيان، الثلاثاء، إنها تقف صفًّا واحدًا خلف البنك المركزي في جهوده لضمان استقرار الأسواق المالية، ووصفت الحملة الموجَّهة ضد الجهاز المصرفي بأنها "غير مبررة وتضر بالاقتصاد الوطني".
وأكدت الجمعية أن هذه الحملات تهدف إلى إرباك الأسواق وتعكير صفو الثقة بالمؤسسات المالية، التي تشكّل ركنًا أساسيًا في ضمان تدفّق السلع والخدمات وحماية مصالح المواطنين.
ودعت الجمعية الجهات القضائية والأمنية إلى التحرك ضد "المحرّضين" والعمل على حفظ السلم الأهلي، مؤكدة أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد أي جهة تحاول الإساءة للبنوك وتشويه صورتها.
بدورها، أعلنت نقابة صرّافي عدن، الثلاثاء، الدخول في إضراب شامل عن مزاولة النشاط، استجابةً لتداعيات الأوضاع الاقتصادية والاتهامات التي طالت القطاع مؤخرًا.
وقالت الجمعية إن قرار الإضراب جاء للتعبير عن رفضها لما وصفته بـ"الادعاءات والشائعات" التي تُلقي بالمسؤولية على الصرّافين في تدهور أسعار الصرف، مؤكدة أن قطاع الصرافة كان ولا يزال شريكًا أساسيًا في إنجاح خطوات الإصلاح الاقتصادي ودعم سياسات البنك المركزي.
وطالبت الجمعية الجهات الرسمية والبنك المركزي بكشف تفاصيل الإجراءات المتخذة للرأي العام بكل شفافية، وفتح تحقيق جاد فيما يتم تداوله من معلومات غير دقيقة، بدلًا من ترك المجال للإشاعات التي تزيد من قلق الشارع وتؤثر سلبًا على الأسواق.
ومنذ صباح اليوم الثلاثاء، أغلقت عشرات محلات الصرافة في عدن وتعز ومارب ومدن أخرى أبوابها أمام عملائها استجابة لدعوات الإضراب في محاولة لمواجهة الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي لضبط سوق الصرافة والحد من المضاربة بالعملة.
المصدر أونلاين