مقالات
السبت 22 مايو 2021 04:08 مساءً

أدب المقاومة في حضرموت.. حسن السقاف نموذجًا

د. أحمد باحارثة

 المقاومة عمل إنساني دفاعي نبيل، كفلته جميع الشرائع لكل إنسان يدرأ عن نفسه مخاطر تحيق بكيانه الوطني، أو إرهاب يطغى على قناعاته الفكرية، وما إلى ذلك مما يذود فيه المرء عن ذاته وهويته ووعيه، وقد سطرت مختلف الأمم بطولات في المقاومة حتى حققت لكياناتها سبل السلامة، ومداميك الكرامة، ومهاد الرخاء لأفرادها، وخلال ذلك ينبري دور المثقفين والأدباء كصوت يحدو الجماعة التي ينتمون إليها في سبيل التشبث المستمر بخيار المقاومة وما يستتبعه من استبسال وصمود وتحدي.

والأدباء في حضرموت ليسوا بدعًا في ذلك السبيل الذي يرتاده كل إنسان سوي، وهم يتابعون ما يجري في محيطهم من محاولات بائسة لتركيع أمتهم العربية من مؤامرات يسوقها أعداء الأمة، ولاسيما الغرب المتمثل في دولتي أمريكا وبريطانيا، ومن سار في ركبهم من بعض من ضل عن بوصلة قضايا الأمة ومصالحها القومية، ولاسيما في تحديد عدوها من صديقها، ومهادنة النبتة اليهودية التي غرسها البريطان ويتعهدها الأمريكان بالعناية والرعاية بما يتعارض مع مصلحة الشعب الذي غرست تلك النبتة الخبيثة على أرضه، أي الفلسطينيين، ومن جاورهم من دول عربية مقاومة وترفض الاستسلام باسم السلام كلبنان وسوريا.

ومثل ذلك الإنتاج المقاوم نجده ماثلا في كثير من الأعمال الإبداعية لأدباء حضارم، نجدها في أشعار عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف (1956)، وابنه حسن (1985)، وفي روايات ومسرحيات علي أحمد باكثير (1969)، وفي مقالات محمد عبد القادر بامطرف (1988)، وغيرهم ممن يزخر بهم عالم المطبوعات من دواوين وصحف ومجموعات، وهنا نقف عند أبرزهم في تمثل شعر المقاومة وشعور المقاوم، وهو الشاعر حسن بن عبيد الله السقاف الذي أصدر أول دواوينه في القاهرة سنة 1943.

وحسن عبد الرحمن السقاف من أبناء سيوون حاضرة وادي حضرموت، وشعره زاخر بكل ما يتعلق بالمقاومة وأقطابها في المنطقة العربية، بدءًا من التنديد بدولتي بريطانيا وأمريكا لدعمهما للكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية، ورفضه لكل دعاوى السلام، إلى تعرية للمتخاذلين من العرب إزاء قضيتهم الأولى، قضية القدس وفلسطين، إلى التنويه بالدول العربية والإسلامية الصامدة والثابتة على خيار المقاومة رغم ما يشنه عليه الجانب الآخر من ضغوط أو عدوان مباشر .

يقول حسن السقاف معبرًا عن غضبه لوقوف الأمريكان المطلق في صف يهود بني إسرائيل:
ما بال أمريـــــــــــــــــــكا وقد    دانت إلى درك الشقاءِ

شغفت بشـر الخلق من    شـــــــــــغفوا بقتل الأنبياءِ

وقال:
ضـــــــــــــــــــــــراوة وتــــــــــدعي    أن الســـــــــــــــــلام شأنها

لكــــــــــنها حضــــــــــــــــــــــــــارة    تصـــــــــــــــــدعت أركانها

هم أرســـــلوا هذي الذئا    ب وهمو عـــــــــــــنوانها

   ولا ينسى الشاعر أن راعي هذه الذئاب الأول هو الإنجليز بوعدهم المشؤوم الذي نصروا به اليهود على ساكني المنطقة من العرب المسالمين، فيقول:
الإنجليز وليس يأمل رفده    إلا الذي هو في العروبة زور

هل في مناصرة اليهود مودة    أم أن ما وعــــــد القران غرور

   ومع ذلك يأبى كثير من حكام العرب إلا أن يتقربوا إلى من جاهر بالعداء لأمتهم، لا بل إنهم يقيمون لهم قواعد عسكرية على الأرض العربية، ويراه الشاعر نوعًا من الخذلان والانكسار الصارخ:
أخريطة العربية الـ    ـغراء زاهيــــــــــــــة الرواء

ما لي أرى بقعًا عليـ    ـك كأنها بقـــع الدماء

أقواعد العدوان تلـ    ـك فيا لقومي والإباء

   ويرى أن ذلك يعود إلى ضعف في الثقة بالله ووعده بالنصر للثابتين على الحق، والاغترار بما تظهره أمريكا من استعلاء أجوف، فيقول:
جحــــــــــدتم الله وآمنتمو    بأن أمريــــــكا هي الغالبة

ذاك ما أبـداه خذلانكمو    فإن أمريكا هي الخائبة

   وهو يعبر عن يقينه أن الله تعالى بعلاه وجبروته قادر على أمريكا بما لديها من قوة عسكرية وطغيان مالي، ويشبهها بحال الفراعنة الذي أهلكهم الله في سالف العصور، ويقول:
يا رب قـــــــد آتيت أمـ    ـريـــــــــــــــــــــــــــكا قناطيرًا وزينة
لتضل عن سنن السبيـ    ـل وتضرب الأيدي الأمينة
فاطمس على أموالهم    واشــــــــــــــدد قلوبهم اللعينة

   وهؤلاء العرب المخذولين لا يكتفون بإعلان صداقتهم بل تحالفهم مع الأمريكان والبريطان، بل يتجاوزونه إلى الكيان نفسه الذي يحتل أرضهم، أي ما يسمى بدولة إسرائيل ، فيسارعون لعقد السلام معها ويخطبون ودها ابتداء بمصر السادات وانتهاء بمن يهيمن على الخليج من قيادات، مع تناحرها فيما بينها، ويقول الشاعر:
لا تجعلوا نصركم في كف ذي خور    كما هوت مصر بالسادات في الندم

   ثم يوجه خطابه إلى كبرى دولهم فينادي الشاعر مليكها الذي يتعالى على شعبه بما فيهم الأقارب، ثم يخضع للطغاة الأجانب، فيقول:
يا أيها الملك المتو    ج شامخًا كابن الســـــــــــــــــماءِ
لكن نفسك وهي فو    ق العرش في عدد الإمـــــــــاءِ
تطغى على الشعب الضعيـ    ـف وتنحني للأقوياءِ

   ويعجب الشاعر من استكبار أولئك القادة على شعوبهم بل امتداده إلى جيرانهم الذين يقفون في صفهم في رفض الاحتلال اليهودي والهيمنة الغربية، ولاسيما جارتهم دولة إيران التي يأبون إلا معاداتها فيقول:
واخجلتا من زعماء العرب    يشكون ظلم الغرب والمعتدين

فانخرطت إيران في صفهم    فواجـــــــــــــــــهوها دونهم معتدين

   ثم ينفض الشاعر يده من أولئك الزعماء المتخاذلين ويتجه نحو الشعوب العربية الحية، والرافضة للظلم والمتمسكة بقضاياها العادلة، ويدعوها إلى أن تثور في وجه أولئك الزعماء المتسلطين على رقابهم كما كان الحال مثلا في العراق حيث يقول:
يا أهل بغداد وحــــــــــتى متى    يحصدكم هذا الدعي الخئون

فسوف لا ينفك هذا الأذى    حتى تســـــاقوه كؤوس المنون

   وفعلا سقط ذلك الدعي المتظاهر بالدفاع عن الأمة، وهو خؤون في كل مواقفه وأفعاله، وتحرر منه الشعب العراقي.
ومن جانب آخر يحيي الشاعر جهاد المقاومة المستميت في لبنان وسوريا ضد الجار الإسرائيلي المغروس الذي لم يكف أذاه عنهم يومًا، ويقول منوهًا بأبطال المقاومة واستبسالهم فيقول:
تغيظي يا جحيم الحرب واحتدمي    واستنفري من ربا لبنان كل كمي

لله در ليـــــــــــــــوث زمجرت غضبى    وســعرت في نزول النار كالرجم

سيروا إلى القدس والجولان لا تدعوا    جحافل الغش تطفي جحفل الحمم

   وهكذا يثبت هذا الشاعر الحضرمي تفاعل حضرموت مع قضايا أمتها، ووعي مثقفيها بمسار الأحداث وما يؤديه الفاعلون فيها من أدوار، تصب في خانة الأمة، أو تخونها وتهدر الذمة، ولاشك أنهم دومًا في طليعة الواقفين في خط الثابتين الصامدين ورموز المقاومة.

جميع الحقوق محفوظة لـ [وطن نيوز] ©2024
تطوير واستضافة
YOU for information technology