سرُّ تحسُّن العلاقات مع حماس.. صفقة مصرية - إماراتية يُنفذها دحلان ويربح منها الجميع
بعد الحديث عن فتح قريب لمعبر رفح لمرور العشرات من شاحنات الوقود القادمة من مصر إلى غزة، والعمل على إصلاح وتوسيع المعبر قبل عيد الأضحى، وتجهيز منطقة تجارة حرة، وبعد موافقة حماس على إنشاء منطقة عازلة على الحدود بعمق 100 متر، كمنطقة عسكرية مغلقة، مع مراقبة الحدود بالكاميرات، واستجابتها لمطالب أمنية مصرية تتعلق بالأنفاق.
تساءل البعض في القاهرة عن سرِّ هذا التحسن الملموس في العلاقات بين القاهرة وحماس، خاصة بعد الحادث الإرهابي الكبير في رفح، الذي راح ضحيته أكثر من عشرين ضابطاً وجندياً من الجيش المصري.
اللافت أن هذا التقارب يحظى برضا الدول التي تحاصر قطر، والتي استبعدت شرط قطع العلاقات مع حماس من شروطها لقطر؟ فهل الهدف كما يقول بعض المحللين إبعاد حماس عن قطر؟
فيما يطرح البعض أسئلة عن حقيقة دور القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان في هذه الصفقة، ولماذا أسهم مساعدوه في نقل أموال (إماراتية) لبنوك حماس المسماة “إرهابية” في غزة، بحسب وصف دول الحصار لها؟ وهل صحيح أن حماس ستسمح له بقيادة غزة، أم هي مقايضة لدور دحلان في فك الحصار، مقابل دعم حماس له ضد الرئيس عباس (أبومازن)؟
“هاف بوست عربي” التقت عدداً من المصادر الفلسطينية والمصرية، بعضها مصادر رسمية فضلت عدم ذكر اسمها، وخبراء ومسؤولون شاركوا في مؤتمرات التمهيد للمصالحة المصرية مع حماس في مؤتمرات “العين السخنة” العام الماضي وأوائل هذا العام لمعرفة أسرار هذه المصالحة.
في أول رد فعل عقب عودة وفد حركة حماس إلى قطاع غزة بعد زيارة استمرت 9 أيام للقاهرة، شرعت حماس في تشديد الإجراءات الأمنية على طول الحدود الفاصلة مع مصر، بناء على التفاهمات التي حصلت في القاهرة، وبدأت قبل يومين في إنشاء منطقة عازلة على الحدود.
وبدأت إرهاصات التفاهمات بتأكيد سامي المشهراوي نائب دحلان، على وجود اتفاق تم إبرامه في القاهرة، بين وفد حماس ودحلان.
فيما أكد القيادي في حركة فتح (التيار الإصلاحي) عبد الحميد المصري، أن عدداً من قيادات الحركة من بينهم سمير المشهراوي، سيعودون إلى قطاع غزة قريباً، للاجتماع مع قادة حركة حماس لحل المشكلات العالقة بين فتح وحماس.
وكشف فايز أبو شمالة أحد المقربين من دحلان لـ”هاف بوست عربي” عن بلورة “مذكرة تفاهم ثلاثية” يتم توقيعها قريبًا بين مصر وحماس ومحمد دحلان، تتضمن “تشكيل لجنة إدارية يترأسها دحلان، تعمل على تحسين أحوال الناس المعيشية، وفك الحصار عن غزة، وفتح معبر رفح”.
ونفى أبو شمالة عبر حسابه على فيسبوك ما ورد في وسائل الإعلام من حديث عن تشكيل حكومة في غزة يرأسها دحلان، مؤكداً أن “هناك فرقاً كبيراً بين مهمات الحكومة ومهام اللجنة الإدارية، وبين صلاحيات الحكومة وصلاحيات اللجنة”.
ولم يُعلِّق دحلان على ما تردد، لكنه استعاض عن ذلك بنشر بيان عبر حسابه على فيسبوك، تحدث فيه عن مستقبل يحمل بشرى جيدة للقطاع والضفة والقدس.
ومن جهته حسم القيادي البارز في “حماس” محمود الزهار الجدل، بتأكيده وجود “اتفاق مبدئي بين الحركة وأعضاء تابعين للقيادي المفصول في حركة فتح محمد دحلان في القاهرة، اتفق الطرفان خلاله على تفعيل بنود اتفاق القاهرة مع حركة فتح”.
وأوضح “الزهار” أن أبرز البنود المتفق عليها تتمثل في دفع ديّات قتلى الطرفين وتفعيل دور المجلس التشريعي، والسعي إلى فتح معبر رفح، وإعادة الكهرباء، وغير ذلك.
أسرار الصفقة وأرباح كل طرف
معلومات كثيرة اطلعت عليها “هاف بوست عربي” عبر مصادر فلسطينية ومصرية بعضها سياسية وبعضها إعلامية، عن مقدمات الصفقة، وعما جرى في الساعات الأخيرة للمصالحة المصرية مع حماس، ودور دحلان ودول حصار قطر.
وتعتقد المصادر المتطابقة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، أن محور الصفقة الأساس هو وجود مصالح مشتركة بين جميع الأطراف في إقصاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي تشكو مصر ودول الخليج من ضعفه، كما أن حماس غاضبة منه، نظراً لفشل كل محاولات الحوار بينهما، وقبوله مؤخراً شروطاً أميركية، منها قطع رواتب الموظفين وعائلات الأسرى، وتقليص دعم وقود كهرباء غزة، ما دفع حماس لدعم عودة دحلان إلى الساحة أو القبول بها، مقابل مشاركته في فك حصار غزة بالتنسيق مع مصر والإمارات لحل مشاكل الكهرباء ودفع رواتب الموظفين المتأخرة، وفتح دائم لمعبر رفح.
وقد يتساءل البعض هنا، كيف تقبل حماس بعودة بعض مساعدي دحلان لغزة؟ يرد قيادي حمساوي عن ذلك في تصريح لـ”هاف بوست عربي” بأن هذه العودة “(منزوعة الدسم)، بمعنى أنهم لم يعودوا يسيطرون على السلاح، أو الشرطة كما كان سابقاً قبل إخراجهم من القطاع ومنذ سيطرتهم على غزة في العام 2007، وما تروج له صحف إسرائيلية عن عودة دحلان لقيادة غزة لا أساس له من الصحة”·
ورغم ذلك النفي يبقى لدحلان دوره الكبير في المشهد في غزة، فهو يشارك -بـما يعادل 12 مليون جنيه من أموال الإمارات- في إنهاء ملف الدم (ديات قتلى المواجهات التي سبقت سيطرة حماس على غزة)، أو ما يسمى “ملف المصالحة المجتمعية”، بدفع تعويضات لعائلات ضحايا الأحداث الدامية حينذاك.
وهناك لجنة مشتركة من حماس وأنصار دحلان تدير ملف “ديات” القتلى حالياً من أموال إماراتية، وبحسب مسؤول إعلامي سابق في غزة انتهت تقريباً من 90% من العائلات (600 قتيل أكثر من نصفهم من حماس).
ولا يتوقف الدعم الإماراتي لغزة على ملف الديات فقط، فقد حولت عن طريق دحلان مبلغاً من المال للفقراء في القطاع، تم توزيعه من خلال بنك تابع لحماس.
وتضيف المصادر أن حماس نجحت في مؤتمرات العين السخنة في إقناع القاهرة بأهمية التبادل التجاري مع غزة، وكيف أنه يمكن أن يصل إلى 7 مليارات دولار سنوياً، أي بما يقترب من دخل قناة السويس (8 مليارات)، لأن التبادل التجاري بين غزة وإسرائيل في الوقت الراهن يصل إلى 4 مليارات دولار.
ومن عوامل تحسين العلاقة بين القاهرة وغزة “السولار” المصري، الذي بدأ نقله مؤخراً إلى غزة، إذ إن جودته أعلى من نظيره المستورد من إسرائيل، وأرخص منه بمقدار “شيكل” (حيث يبلغ سعر المصري 3.3 دولار)، كما أن ريع شراء السولار الإسرائيلي يدخل في حساب حكومة السلطة الفلسطينية، بينما سيدخل ريع السولار المصري في حساب حكومة غزة.
المحللون السياسيون الذين تحدثت إليهم “هاف بوست عربي” أكدوا أن الكل “يلعب على المكشوف”، فحماس تسعى للتخفيف عن أهل غزة بجهود دحلان وأموال الإمارات وتسهيلات مصر، والأطراف الأخرى لها مصالح في هذه الصفقة، منها عدم استئثار قطر بملف حماس·
دول حصار قطر من جهتها تريد أخذ مكان قطر في الدعم المقدم لحماس، وحماس ليست لديها مشكلة فيمن يدفع، والمقابل هو السماح لدحلان بالعودة عبر غزة، كما أن الأخير يسعى لاستغلال الموقف المعقد في القطاع لانتزاع دور سياسي والعودة لفلسطين ليخلف عباس عبر بوابة غزة، والانطلاق منها للسيطرة على فتح والسلطة الفلسطينية، ومصر والإمارات تساعدان دحلان لأنه مشروعهما في فلسطين، بحسب قيادي سابق من حركة حماس.
علاقات مصلحة أكثر منها ودية
الخبراء السياسيون لم تختلف قراءتهم للمشهد عن المصادر السياسية على الأرض. فالدكتور طارق فهمي الخبير في مركز دراسات الشرق الأوسط يرى أن التحسن في العلاقات المصرية مع حماس ليس مجرد “احتواء” من جانب القاهرة ودول الخليج بدلاً من الصدام، وإبعادها عن حضن قطر، مشيراً إلى أن التحسن بين القاهرة وقيادة حماس بدأ منذ مؤتمرات العين السخنة (3 مؤتمرات)، التي عقدت بمصر العام الماضي والحالي، “وهذا ما هيأ الأجواء للتقدم الحالي في التعاون”.
ويشدد الخبير المصري، الذي أشرف على مؤتمرات العين السخنة، على أن “معادلة التحسن في العلاقات بين مصر وحماس تقوم على أُسس من المصالح المشتركة ومسائل مثل فتح المعبر ومنطقة حرة للتبادل التجاري، هي مجرد نقاط فرعية في المعادلة الكلية”.
ويوضح فهمي لـ”هاف بوست عربي”، أن “مصر كانت ترتب لإطار عام شامل للعلاقات (غير مؤقت)، وهو ما بدأ يتبلور في الفترة الأخيرة بصورة أوضح. فالمسألة هي حرص الطرفين على علاقات مصلحية أكثر من الودية”. حيث تريد حماس الاستقواء بدور مصر، ومصر تريد من حماس حماية حدودها وعدم السماح بأن تتحول الحدود أو غزة إلى ملاذ آمن لإرهابي داعش في سيناء.
الهدف إبعاد حماس عن قطر
أما الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فينظر لهذا التحسن في العلاقات بين مصر وحماس من عدة زوايا، منها: تطورات الوضع والتغييرات المقبلة على المنطقة، ودخول الإمارات على الخط عبر رجلها “دحلان” لرغبتهم في عدم ترك حماس في علاقة خاصة مع قطر.
ويوضح نافعة لـ”هاف بوست عربي”، أن التطورات القادمة في المنطقة، ومنها موقف الإدارة الأميركية الجديد وصفقة القرن، تدخل ضمن “محاولات تطويع حماس، ودفعها لتعاون أمني، ولكن يشدد على أن هذه الصفقة في مراحلها المبكرة، وما نراه ظاهراً هو الجزء اليسير من جبل الثلج الذي لا يزال أغلبه غاطساً”.
وهذا ما يؤكده أيضاً المحلل الفلسطيني شرحبيل الغريب الذي يرى أن “استثناء حماس من الشروط الخاصة بحصار قطر نابع من تعمد هذه الدول سحب حماس وإبعادها عن قطر”.
ويقول الغريب لـ”هاف بوست عربي”، إن “السبب الأهم في حلحلة الأمور هو دخول الإمارات ومصر على خط التفاهمات الجديدة مع حماس، وفق رؤية تخدم مصالح كل الأطراف، بهدف وضع قطر في الزاوية وفرض شروط واملاءات تتساوق مع السياسة الخليجية الجديدة في المنطقة”.