لطمة أخرى لقطاع الأعمال في مصر بعد رفع صادم جديد للفائدة
لم يكد القطاع الخاص ورجال الأعمال في مصر يفيقون من صدمة رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس في مايو أيار حتى وجه لهم البنك المركزي يوم الخميس لطمة جديدة بزيادة تكاليف الاقتراض 200 نقطة أساس أخرى.
ووصف البنك المركزي قراره "بالمؤقت" وأنه يستهدف السيطرة على التضخم السنوي والوصول به إلى مستوى في حدود 13 بالمئة في الربع الأخير من 2018.
وقفز التضخم السنوي في المدن المصرية إلى أعلى مستوى له في ثلاثة عقود بعد قرار تعويم الجنيه في نوفمبر تشرين الثاني الماضي وسجل 31.5 بالمئة في أبريل نيسان ثم تراجع قليلا في مايو أيار إلى 29.7 بالمئة.
لكن قرارات تقليص دعم الوقود التي صدرت الشهر الماضي تنبئ بتجدد المسار الصعودي لمعدلات التضخم في الأشهر المقبلة.
وقال حسام أبو العينين الرئيس التنفيذي لشركة سيديكو للأدوية لرويترز معلقا على قرار رفع الفائدة "سيكون له تأثير مدمر على الصناعة وقطاع الأدوية. تكلفة الاقتراض زادت وأسعار الطاقة ارتفعت وأسعار الدواء يتم تسعيرها جبريا ولا يمكن تحريكها إلا بقرار وزاري.
"أتوقع حدوث نقص في الأدوية الفترة المقبلة. الشركات الأجنبية لن تتحمل... هذه الشركات كم تكسب حتى تستطيع تحقيق أرباح في ظل الأسعار الحالية؟ لا يوجد مستثمر سيفكر بالاستثمار بتلك الأسعار".
ورفعت مصر أسعار الوقود في نوفمبر تشرين الثاني ثم زادتها مجددا في نهاية يونيو حزيران في وقت ما زال المصريون يحاولون التكيف فيه مع موجة غلاء فاحش.
وقد يخفف رفع الفائدة الضغوط عن الأفراد لكنه قاتل للشركات.
وقال شريف الجبلي الرئيس التنفيذي لشركة أبو زعبل للأسمدة والكيماويات "المشروعات الصناعية الجديدة سيكون من الصعب تنفيذها في ظل الأسعار المرتفعة للفائدة".
وقال أشرف الجزايرلي رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية لرويترز "القرار سيحدث شللا في الاستثمارات... تكلفة التمويل سيكون لها تأثير سلبي على طلبيات التصدير وعلى عنصر التكلفة مما سيؤدي إلي عدم تنافسية أسعار المنتجات المصرية".
وأضاف "المصانع ستحاول تقليل التكلفة وحجم العمالة وكمية الخامات لتتناسب مع الانخفاض في الطلب وإلا ستتكبد خسائر أكثر تؤدي لإغلاق المنشأة".
ويبدو أن عددا من رجال الأعمال بدأو يفقدون الثقة في نجاعة الإجراءات الاقتصادية لحكومة شريف إسماعيل التي لطالما أشادوا بها من قبل.
لكن هاني برزي رئيس المجلس التصديري للصناعات الغذائية والرئيس التنفيذي لشركة إيديتا قال لرويترز "قرار رفع أسعار الفائدة قد يكون إيجابيا في حالة رغبة المركزي تقوية عملته مقابل الدولار. قد نشهد حالة من الركود المؤقت نتيجة للقرار ولكن قيمة الجنيه سترتفع ما يجعل الوضع يتحسن بعد ذلك".
وشهد الجنيه المصري ارتفاعات طفيفة خلال الأسبوع الماضي ليسجل ما بين 17.92 و17.95 جنيه للدولار في المتوسط مقارنة مع 18.05 و18.15 للدولار على مدى الأربعة أشهر الماضية.
وأضاف برزي "القطاع الصناعي تضرر بالفعل نتيجة زيادة أسعار الفائدة خلال المرات السابقة. العديد (من الشركات) توقف عن الإقتراض والاستثمار نتيجة الزيادة. نأمل في تحسن قيمة الجنيه وهو ما قد يساهم في تعافي وضع سعر الفائدة".
ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة الأساسية 700 نقطة أساس في أقل من تسعة أشهر ونحو ألف نقطة أساس في نحو عام ونصف العام.
وكثيرا ما يخالف البنك المركزي تحت رئاسة محافظه الحالي طارق عامر توقعات المحللين ورجال الأعمال في قرارات أسعار الفائدة.
وقال باسم عزب من بلتون المالية "أتوقع أن تكون هذه نهاية رفع أسعار الفائدة والقرار القادم سيكون تخفيض الفائدة. ليس هناك شك في أن كل ما نشهده عبارة عن إصلاح اقتصادي عنيف. سنرى نتائجه بداية من الربع الأول من 2018".
وعلى العكس من العديد من المصنعين ورجال الأعمال يرى هاني جنينة الخبير الاقتصادي أن "قرار رفع الفائدة جاء في وقته تماما."
وقال"نمر بثلاث مراحل في طريقنا للإصلاح النقدي والمالي وانتهينا من المرحلة الأول الخاصة بمعالجة التشوه في سعر الصرف من خلال طريقة الصدمة بتحرير سعر الصرف في نوفمبر (تشرين الثاني).
"المرحلة الثانية خاصة بإعادة تراكم الاحتياطي النقدي والتي تستغرق من عام إلى عام ونصف العام ثم المرحلة الثالثة والتي نستهدف فيها تراجع التضخم إلى 13 بالمئة خلال الربع الأخير من 2018 وحينها سنبدأ في دعم النمو الاقتصادي من جديد".
وزاد احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى 31.305 مليار دولار في نهاية يونيو حزيران من 31.125 مليار في مايو أيار ومن 16.423 مليار دولار في نوفمبر تشرين الثاني 2015 حينما تولى عامر رئاسة البنك المركزي.
وتوقع جنينة قيام "البنوك بطرح أوعية إدخارية قصيرة الأجل بفائدة مرتفعة"
وقال"سنرى نزولا قويا لمعدلات التضخم في نوفمبر المقبل وهو شهر سنة الأساس بعد تحرير سعر الصرف وسيكون هذا وقتا مناسبا للمركزي لتخفيض أسعار الفائدة بشكل قوي أو جزئي".
وطرح عدد من البنوك المحلية أوعية ادخارية بفائدة تصل إلى 20 بالمئة في نوفمبر تشرين الثاني بعد قرار تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس.
وعزا البنك المركزي يوم الخميس قراره رفع أسعار الفائدة إلى رغبته في تخفيف " الآثار الجانبية الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء وكذلك ارتفاع ضريبة القيمة المضافة".
وقال رجل أعمال مصري يرتكز نشاطه على الاستيراد طالبا عدم نشر اسمه "الناس بتلطم في الشارع. لا أحد يعرف إلى أين نحن ذاهبون؟"
وقال محمد بدراوي عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب لرويترز "المركزي رفع أسعار الفائدة ست مرات خلال نحو عام ونصف العام وكان يبرر القرار كل مرة باستهداف التضخم لكنه لم يحقق هدفه في أي من المرات السابقة.
"رفع الفائدة يؤدي لزيادة تكلفة الانتاج وارتفاع أسعار السلع وبالتالي لا يحقق الهدف المرجو في تخفيض التضخم".
والاقتصاد المصري ليس في حالة ركود إذ نما 4.3 بالمئة في الربع الثالث من السنة المالية الحالية 2016-2017 بعد نمو 3.8 بالمئة و3.4 بالمئة في الربعين الثاني والأول على الترتيب. لكن الاقتصاد يعاني من تداعيات عزوف السياح والمستثمرين عقب انتفاضة 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك.
وقال تامر بدر الدين الرئيس التنفيذي لشركة البدر للبلاستيك "القرار سيؤدي لشلل الاستثمار بصفة عامة... القرار سيكون سليما في حالة وجود تضخم مع زيادة في السيولة لتحفيز الإدخار وتقليل نسبة السيولة للحد من التضخم لكن الواقع هو عدم توافر سيولة لدي الشركات والأفراد نتيجة موجة الغلاء مما يجعل القرار يخدم المستثمر الأجنبي المضارب في العملة دون العمل على تحفيز الاستثمار وخلق قيمة حقيقية للاقتصاد".
وبلغت استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية نحو 9.8 مليار دولار في 2016-2017 من 1.1 مليار في 2015-2016.
وقال محمد معيط نائب وزير المالية لشؤون الخزانة المصري لرويترز إن الوزارة لم تأخذ في الاعتبار زيادة أسعار الفائدة 400 نقطة أساس في آخر اجتماعين للبنك المركزي.
وتبلغ مصروفات فوائد الدين المستهدفة 381 مليار جنيه (21.3 مليار دولار) في موازنة 2017-2018.
وتوقع معيط "أن يكون قرار رفع الفائدة إجراء مؤقتا لاستهداف التضخم".
وقال "نتوقع تراجع معدلات التضخم مطلع 2018 وبالتالي بدء الاتجاه النزولي لأسعار الفائدة".
ويعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي في وقت لاحق من هذا الأسبوع عن مستويات التضخم خلال يونيو حزيران.
وقال محمد فؤاد عضو لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب "الموازنة الجديدة للحكومة قد تتكبد نحو 60 مليار جنيه على أقل تقدير إضافية على فوائد الدين".
وتساءل ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب قائلا "ما المشروع الذي يمكن أن يتخطى ربحه 20 بالمئة حتى يستثمر فيه أي رجل أعمال؟"
(الدولار= 17.90 جنيه مصري)