صناعة الزرابي.. حرفة جزائرية تقاوم للبقاء
تبذل السلطات المختصة في الجزائر جهودها للمحافظة على ما تبقى من حرفة صناعة السجاد (الزرابي) التقليدية، التي تعود إلى آلاف السنين، وسط تحذيرات من اندثارها إذا لم تعالج أسباب تراجعها.
ويرى مختصون أن تراجع هذه الحرفة يعود لعدة أسباب، منها قلة أعداد السياح الأجانب وانخفاض عدد الحرفيين، إضافة إلى تدني أسعار السجاد المحلي، وارتفاع أسعار المواد الأولية، فضلا عن غياب المعارض التسويقية على مدار السنة، وعدم وجود سياسة حكومية واضحة للنهوض بالصناعة التقليدية.
وتراجعت هذه الصناعة من إنتاج أكثر من سبعمئة ألف قطعة سنويا عام 1990 إلى أقل من ثمانين ألف قطعة عام 2014، حيث حذر عضو الغرفة الجزائرية للحرفيين مسعود داشا من أنه إذا تواصل هذا الانهيار "فسنشهد اختفاء الزربية في الجزائر ربما خلال عشرين عاما قادمة".
وقال إن معظم السياح الذين كانوا يدخلون الجزائر كانوا يعودون إلى بلادهم محملين بالمنتجات التقليدية وأهمها الزربية، لكن السياحة تعاني اليوم أزمة خانقة، لهذا فقدت صناعة السجاد سوقها الأهم، مشيرا إلى أن عدد الحرفيين العاملين في الزربية لا يزيد اليوم على 15 ألفا، أغلبهم نساء يعملن بشكل متقطع، بينما كان العدد نحو مئة ألف عام 1990.
أنواع وألوان
وتتميز الجزائر -بحسب أستاذ الصناعة التقليدية رزقي بن خيضر- بستة أنواع رئيسية من سجاد الزرابي، وهي زربية بابار الأمازيغية بالشرق الجزائري، وزربيتا النمامشة والحراكتة بالشرق أيضا، وهما نوع من السجاد الرفيع المنسوج بالصوف، القادر على منافسة أفضل أنواع السجاد بالعالم.
ويضاف لها زربية العمور، وهي سجاد عربي تنتجه نساء إحدى قبائل الغرب، وزربية غرداية في الجنوب، وأخيرا زربية منطقة سيدي بلعباس بالغرب، وتسمى الحنبل، وهي نوع من السجاد المنسوج بالصوف.
ويضيف بن خيضر أن السجاد الجزائري يحمل نقوشا ورموزا وألوانا لها دلالات اجتماعية عميقة وأبعاد إنسانية معبرة تعكس تراث الجزائر القديم الأمازيغي والبربري المحافظ، مثل طبيعة العلاقة الزوجية والوحدة الأسرية.
وتابع بقوله إن ألوانها كلها طبيعية يتم استخلاصها من الموارد الطبيعية والأعشاب، مثل عود شجرة الجوز البني، والعود الأصفر، وهو بهار هندي لونه أصفر، وحب الرمان المجفف لتثبيت الألوان، وعشبة شقائق النعمان للون الأحمر القرميدي، وحجر النيلة لاكتساب اللون الأزرق، وحجر المغرة للحصول على اللون الأسود.
وأوضح أن السجاد الجزائري يستخدم في تزيين غرف استقبال الضيوف والجدران، وهي ميزة البيوت في الجزائر قديما، وبالنسبة للأعراس تعادل الزربية الذهب والحلي من حيث القيمة، حيث ذاع صيت السجاد الجزائري عالميا في السابق مع ازدهار السياحة.
تاريخ الصناعة
وبحسب أستاذ التاريخ في جامعة وهران الدكتور دهان منصور، فإن تاريخ صناعة الزربية في الجزائر يعود إلى خمسة آلاف سنة، وهي تنسج بواسطة الصوف أو الصوف الحر، حسب الطلب وحسب النوعية، ويتم شد خيوطها بدقة كبيرة لإنجاز الرموز والأشكال الهندسية التقليدية التي تميز كل زربية بمفردها.
وأضاف أن هذه الرموز تعبر عن الأدوات القديمة، التي كان يستخدمها السكان المحليون الأمازيغ، مثل الغربال والفانوس وآلة تصفية الصوف، التي تسمى القرداش، ويستعمل في عملية النسج.
ولجأت السلطات الجزائرية في محاولة منها لإنقاذ صناعة السجاد إلى إحياء أعياد قديمة، مثل "عيد الزربية"، الذي ينظم سنويا في مدينة غرداية جنوب العاصمة الجزائر، التي تعد أكبر أسواق الزرابي في البلاد، وتشتهر بإنتاج أنواع عدة منه.
وأوضح العضو السابق في لجنة السياحة والصناعة التقليدية في البرلمان الجزائري مجذوب خير الدين أنه لا يمكن أبدا أن تنتعش صناعة الزربية دون أن يتحسن أداء القطاع السياحي، وقال إنه "منذ البداية أدركت الحكومات المتعاقبة ارتباط قطاع الصناعة التقليدية بقطاع السياحة، فدمجتهما في وزارة واحدة منذ أكثر من عشرين سنة".
ومع تحسن الوضع الأمني، وتراجع عائدات الجزائر من النفط لتهاوي أسعاره عالميا، تعمل السلطات على تحسين أداء قطاع السياحة، الذي انهار مع اندلاع الأزمة الأمنية عام 1992.