اخبار تقارير

لعبة الكبار في تعز … حينما يتصارع الكبار يشتبك الصغار

الجمعة 27 يناير 2017 08:35 مساءً وطن نيوز

تشهد مدينة تعز الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية ، مع مطلع 2017 م ، ومع جمود شبه كلي في العمليات القتالية مع الحوثيين أطراف المدينة – مخاضاً عسيراً وألبماً تتشكل معه ملامح مستقبل المدينة في ظل تصاعد الصراع السياسي بين المكونات الداخلية المساندة للشرعية .

 

وتبدو الحالة الأمنية ، الأكثر اختزالاً للصراع ، كما لو كانت مرهونة بحل الخلاف الشخصي بين رضوان وغزوان أو ، على أبعد تقدير ، بحسم النزاع على الأسواق بين سرحان قائد اللواء العسكري 22 ميكا وبين نشوان خليفة ” العباس ” قائد إحدى الفصائل الشعبية المنضوية ضمن اللواء 35 بقيادة الحمادي ، فيما مؤشرات الواقع تهدي إلى أنَ صراعاً أعمق تتكشف ملامحه مع تصاعد الأحداث واتساع رقعتها .

 

في منتصف يناير الجاري ، انتشرت مجاميع جماعة أبو العباس المسلحة بشارع جمال وسط المدينة واطلقت النيران الخفيفة والمتوسطة من رشاشات الأطقم والمدرعات في واحدة من أكثر المناطق ازدحاماً بالناس ، وفي عملية مسلحة قيل أنها لتعقب عصابة غزوان المخلافي على خلفية اختطاف اثنين من عناصرها سبق اختطافهما، حد زعمها في البيان ، من مستشفى الروضة بأحد أحياء نفوذ القائد العسكري صادق سرحان .

 

وبعد أقل من اسبوعين ، تحديداً الثلاثاء 24/ يناير ، انطلقت العملية الثانية للجماعة بشكل أكبر وأوسع ، واتجهت نحو مؤسسات السلطة المحلية وأجهزتها الأمنية ، حيث تزعم الجماعة في بيان لها بأن هجومها على المؤسسات الأمنية بتلك الطريقة يأتي رداً على تعرض أخد قيادييها ” رضوان كواتي ” للإختطاف من قبل مسلحين بقيادة ” غزوان المخلافي ” أثناء مثوله للعلاج بمستشفى التعاون الواقع في حي المسبح حيث تتموضع قيادة اللواء 22 التابع للحكومة .

 

انتهت الجماعة في عمليتها الأولى بتحرير سوق ديلوكس الواقع تحت إشراف اللواء 22 ميكا دون ذكر لمختطفيها الاثنين ، فيما انتهت العملية الثانية باتفاق رعاه ” نعمان ” أمين عام التنظيم الناصري بتكليف من هادي ، يقضي – ضمن أمور أخرى – بتحرير قلعة القاهرة وإدارة الأمن السياسي من الجيش الحكومي وتسليمها للجيش الحكومي وتحديداً اللواء 35 ، حيث تعد كتائب أبو العباس إحدى تشكيلاته وفقاً لإجراءات الدمج الحكومية .

 

علاقة الفصائل بالسلطة المحلية

يحاول الشيخ عارف جامل استغلال موقعه في السلطة لتوظيف حادثة الإشتباكات الأولى حول سوق ديلوكس في تعزيز نفوذه وشرعنة تحركات حليفة أبو العباس منذ إعلان لقاءهما الأول نهاية ديسمبر الماضي ، على حساب حضورالأجهزة الأمنية والعسكرية المختصة ، حيث حرص على استخلاص قراربتشكيل لجنة أمنية تُمثل الفصائل للقيام بمهام مساعدة الأجهزة الأمنية في إدارة العملية الأمنية ، في الاجتماع الاستثنائي الذي ترأسه وضم ممثلي الفصائل 13 / يناير

 

وخلال أسبوع من اجتماع جامل بالفصائل وقرار تشكيل لجنة أمنية مساعدة ، كانت السلطة المحلية ممثلة بقيادة محور تعز ووكيل المحافظة رشاد الأكحلي وقادة الألوية العسكرية والأجهزة الأمنية ، تتعامل مع ما حدث بوصفه محاولة للإنقلاب عليها عبر تشكيل كيانات موازية تحت ذريعة حفظ الأمن .

 

وسعت جاهدة لعقد سلسلة من الاجتماعات واللقاءات ، غاب عنها جامل ، لتدارك أمرها حيث انتهت منها بتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الأمن والألوية لإدارة حملة أمنية مشتركة لملئ الفراغ الأمني وتكثيف حضور السلطة المحلية وتعزيز دور مؤسسات الدولة والغاء كافة المسميات وتوحيد العمل الأمني تحت قيادة المحور .

 

وفي رابع أيام الانتشار الأمني للحملة في شوارع المدينة ، انتشرت مجاميع أبو العباس بقيادته في الشوارع وحلت محلها وطردت كل من يعمل معها واختطفت بعضهم بحثاً عن المختطف رضوان رئيس عدلية ( محكمة ) الجماعة الخاصة ، وخرج أبو العباس بعدها يتحدث للقنوات عن أن غريمه الأمن بأفراده وضباطه .

 

وبعد يومين من اتفاق لجنة التهدئة برئاسة نعمان ، التقى الخميس قائد المحور نائب رئيس اللجنة الأمنية بكل قادة الألوية ووكيلي المحافظة غير جامل ومدراء الشرطة والأمن السياسي والاستخبارات العسكرية واتخذ الاجتماع حزمة من القرارات والإجراءات أبرزها تسليم القلعة والأمن السياسي لرئيس عمليات المحور عدنان رزيق أحد قادة كتائب حسم وتكليف قيادة اللواء 17 بالإشراف على نقطة الهنجر الواقع في الضباب وتنظيم عائداتها لتمويل الحملة الأمنية بدلاً عن كتائب أبو العباس التي كانت تتولاها ، وأقر الإجتماع استدعاء كل الفصائل والغاء كل المسميات .

 

السلطة وخريطة الفصائل

وتخضع مناطق الحكومة في تعز لسلطتين ؛ سلطة رسمية تتمثل في قيادات السلطة المحلية وقيادة المحور مع قادة الألوية العسكرية والأجهزة الأمنية المكلفة من الحكومة والتي تفتقر عملياً للإمكانيات والموارد والأجهزة الإدارية والأمنية والقضائية اللازمة لتمكينها من أداء وظائفها الأساسية ، وسلطة واقعية تتمثل في سلطة الفصائل المسلحة في مربعاتها ومناطق نفوذها ، حيث تعتمد لفرض سلطتها على قوة سلاحها ومواردها الخاصة التي تفرضها عبر مندوبيها في الأسواق وعقارات الدولة وبعض النقاط في المداخل الرئيسية .

 

تستأثر التيارات السلفية المختلفة بثلاثة فصائل أكبرها فصيل أبو العباس إلى جانب فصيل أبو الصدوق المنشق عنه وفصيل كتائب حسم بقيادة عدنان رزيق وعمار الجندبي التابع لتيار الحكمة السلفي ذي التوجهات المعتدلة التي لا تتفق مع توجهات سلفية أبو العباس الحجورية .

 

وتعتبر الجبهة الغربية بقيادة عبده حمود ومجاميع المخلاف ولواء الحمزة التابعة للشيخ حمود والقطاع الشرقي بقيادة توفيق عبد الملك ولواء الطلاب ( الصعاليك ) بقيادة عزام الفرحان ولواء العاصفة بقيادة يحي الريمي بالإظافة إلى محور جبل جرة ، وجبهة الوازعية وجبل حمير، كلها تابعة لقيادات إصلاحية أومرتبطة به بشكل أو بآخر .

 

وتشكل الجبهة والمجاميع التابعة للقيادي العسكري صادق سرحان قائد اللواء 22 ميكا ، فصيل قائم بذاته ، حيث يعد سرحان أحد رجالات الجنرال علي محسن .


ويمثل الشيخ عارف جامل تيار المؤتمر المؤيد للشرعية وله عدد من المناصرين لا بأس بهم من أفراد وجنود الجبهة الجنوبية في جبل صبر.

 

وتنشط العناصر المسلحة المحسوبة على التيار الناصري ضمن لواء القائد العسكري عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع الموالي للناصرين الذي ينشط في الأرياف الجنوبية لمحافظة تعز .

 

إلى ذلك ينشط تنظيم أنصار الشريعة ذي التوجهات القاعدية في منطقة الجحملية بقيادة حارث لطف العزي نجل لطف العزي المعين من قبل أبو العباس كرئيس لأعلى هيئة تحكيمية .

 

وتتازع ثلاث من الفصائل المسلحة ( أبو العباس – كتائب حسم – مجاميع صادق سرحان ) على ممارسة وظيفة السلطة وأجهزة الدولة في حفظ الأمن وفض النزاعات المدنية والشخصية والتجارية وفرض الرسوم والجبايات على الأسواق وتحصيل عائدات عقارات الدولة ، حيث يشرف كل فصيل على مجموعة من الأسواق والهيئات التحكيمية ولجان التحصيل كلاً في مناطق سيطرته .

 

التشكيلات العسكرية

أصدرت الحكومة الشرعية قبل نصف عام قراراتها بدمج عناصر وفصائل المقاومة الشعبية في أربعة تشكيلات ( ألوية ) عسكرية رسمية ، وبحسب مصادر عسكرية حمومية اتخذت الألوية والفصائل التسميات والشكل التالي :

 

اللواء 35 مدرع بقيادة الحمادي ومقره الرئيس الأرياف الجنوبية للمدينة ويضم فصيل ابو العباس وكتائب حسم ومجاميع عبد الله نعمان أمين عام الناصري والمجاميع القبلية للشيخ عارف جامل رئيس فرع المؤتمر المؤيد للشرعية بتعز .

 

اللواء 22 ميكا بقيادة سرحان ومقره المسبح عصيفرة ويضم محور جبل جره ولواء العاصفة وجزء من لواء الصعاليك ( الطلاب ) ومحور القطاع الشرقي بقيادة توفيق عبد الملك ومجاميع صادق سرحان القبلية .

 

اللواء 17 مشاة بقيادة الشمساني ومقره الضباب ويضم الجبهة الغربية بقيادة عبده حمود وجبهة حمير والوازعية الريفيتين والجزء الآخر من لواء الصعاليك

 

واللواء 170 دفاع جوي بقيادة العزاني ويضم لواء الحمزة الذي يضم مجاميع شبابية وقبلية يقودها نجل الشيخ حمود المخلافي كما يضم بعض مجاميع جماعة أبو الصدوق المنشقة عن جماعة العباس وكذا عدد من عناصر الجيش الذين أعلنوا انضمامهم للقوات الحكومية .

 

وتجتمع الألوية الأربعة تحت قبادة عسكرية تسمى قيادة محور تعز يعتبر قائدها نائباً لرئيس اللجنة الأمنية أعلى سلطة أمنية بالمحافظة

 

وتحاول قيادة السلطة المحلية العسكرية ممارسة وظائفها السلطوية من خلال تفعيل عمل الإلوية العسكرية وأجهزة و أقسام الشرطة التي تعمل على اعادة بناءها وعبر تشكيل لجان وحملات أمنية متخصصة ، في وقت تفتقر فيه للأجهزة القضائية وأجهزة الضبط القضائي من نيابات وغيره .

 

وتواجه أجهزة السلطة الأمنية في تأديتها لوظيفتها الأمنية إشكالات وعوائق كبيرة أبرزها سلطات الواقع المسلحة وشبكات المصالح المرتبطة بها فضلاً عن ضعف الإمكانيات والتجهيزات .

 

وكان ” المغبشي ” مدير عام الشرطة بتعز قد تحدث في إحدى جلسات النقاش حول الأمن ، واصفاًالحالة الأمنية الراهنة بقوله : إن مشاكل مسلحي الفصائل تشكل أكبر تحدي تواجهه السلطة الأمنية مع استمرار حركة بعض الفصائل خارج ألويتها ، فضلاً عن كونها ستمثل العائق الأكبر أمام محاولات اضطلاع السلطة بمهامها المالية والتحصيلية .

 

تشكيلات القوة السياسية

تتوزع المشهد السياسي بتعز 6 قوى وجماعات سياسية ، أربعة منها أحزاب سياسية ، ثلاثة منها ممثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك الذي تشكل مطلع الألفية الثالثة ، ويمثل حزب الإصلاح أكبر هذه الأحزاب إلى جانب تنظيم الوحدوي الناصري والحزب الإشتراكي ، فيما تعتبر جماعة أبو العباس كبرى الجماعات السلفية المتعددة وأكثرها توجهاً لحصد مكاسب سياسية بقوة السلاح .

 

ويمثل فرع المؤتمر الشعبي المساند للشرعية القوة السياسية والحزبية الرابعة ، حيث يحرص عارف جامل من موقعه على لملمة شتات المؤتمر الشعبي وكوادره والاستناد إليها في اقامة تحالفات سياسية لخوض مرحلة الانتقال السياسي .


وأعلنت قبادات ونخب سياسية قبل أشهر عن التحضير لتكتل مدني باسم التكتل الوطني المستقل ( توق ) بقيادة الناشط السياسي عبد الستار الشميري والدكتور ألفت الدبعي ضم عدداً من المحامين والحقوقيين والناشطين الإعلاميين والسياسيين ، حيث ما زال قيد التحضير حتى اللحظة .

 

تحالفات وتكتلات

دشنت قيادات سياسية حزبية ومدنية قبل أكثر من شهرين اللجنة التحضيرية لما يسمى بالتكتل المدني الذي ضمت لجنته التحضيرية برئاسة القيادي الإشتراكي وكيل محافظة تعز عبد العزيز الصنوي ، التنظيم الوحدوي الناصري والتكتل الوطني المستقل ( توق ) وممثلين عن مؤتمر تعز المؤيد للشرعية وقيادات سياسية وحقوقية واعلامية تمثل التيارات المدني المستقل .

 

وقال التكتل في مشروعه التأسيسي على أن قيام التكتل يأتي للحفاظ الأمن والسلم الإجتماعي ومواجهة التحديات التي تعصف بالمحافظة ووقف التداعيات السلبية الناتجة عن انتشار السلاح والتفرد بالسلطة والثروة فضلا عن إسناد معركة التحرير واستعادة دور الدولة ومؤسساتها.

 

وهاجم إعلام الإصلاح الإعلان عن مثل هذه التكتلات في مثل هذا التوقيت وشكك من سلامة نية القائمين عليه ، حيث وجهت قيادات إعلامية إصلاحية انتقادات لاذعة للتكتل المدني ووصفته بالثورة المضادة على غرار تكتل تصحيح مسار ثورة 11 فبراير الذي تبين فيما بعد أن قادته تعمل ضمن الحركة الحوثية لتقويض الثورة .

 

وفي سياق التجاذبات والاصطفافات السياسية ، عقدت قيادة المؤتمر المؤيد للشرعية بقيادة جامل وكيل المحافظة أول لقاءاتها التشاورية مع التيار السلفي بقيادة أبو العباس نهاية ديسمبر من العام الماضي ، حيث قالت مسودة الدعوة بأن اللقاء لتعزيز الجبهة الداخلية وترتيب استكمال التحرير.

 

وشهدت القاهرة عدة لقاءات واجتماعات بين قيادات ناصرية واشتراكية وأخرى مؤتمرية محايدة كُرست لمناقشة الحالة في تعز على خلفية الصراع السياسي بين الأطراف الداخلية .

 

صورة الصراع

تكشف مجريات أحداث يناير عن استعار الصراع بين تيارين سياسيين يختفي كل تيار منهما خلف شكل أو أكثر من أشكال السلطة المعززة بالسلاح .

 

وتشارك الحكومة الشرعية ، بقصد أو بدون قصد ، في خلق بيئة الصراع ومناخاته في تعز بسبب تخليها عن دعم السلطة المحلية التابعة لها وضبابية رؤيتها وموقفها تجاه ما يحدث .