حمود قاسم الفقيد التربوي الذي جمع بين مسيرة التعليم والنضال السري لطرد الاستعمار البريطاني.
تحيت أسرة الفقيد التربوي اربعينية الأستاذ حمود قاسم علي صباح اليوم الخميس 7 ديسمبر .حيث ولد الأستاذ حمود قاسم علي في 07.12.1943 من أسرة بسيطة في مدينة الشيخ عثمان (حافة العراسي)وكان هو الأكبر بين اخوته تربى وترعرع بن أصدقاءه واقرانه في شوارع الشيخ عثمان ومنهم محمود العراسي وأحمد القعطبي وطه غانم وغيرهم..بدأ دراسته في الكتاب (معلامة الفقية)ثم الدراسة الابتدائية وكان ترتيبه الأول بين زملائه في الفصل ومنهم محمد علي الدبعي أحمد الريمي والفنان محمد صالح عزاني والفنان طه فارع وسالم سلوم الشيباني والمقبلي والمسرج وغيرهم..حتى وصل إلى الصف الثالث متوسط..
وقد تتلمذ على يد مجموعة من أفضل واكفأ المعلمين والمربين التربويين في تلك الفترة منهم الأستاذ والأديب محمد سعيد مسواط والأستاذ والفنان محمد مرشد ناجي المرشدي مدير المدرسة والذي كان دائما ما يتذكر موقفه التربوي والانساني بمساعدته واعفاءه من الرسوم الدراسية والأستاذ علي محمد عبدالله وغيرهم..وعندما بلغ الخامسة عشر من العمروشعر بحاجة الأسرة له قرر عدم مواصلة الدراسة ودخول سوق العمل ليساعد والده في إعالة الاسرة...
فكانت اول وظيفة له هي أن عمل ممرض في مستشفى القوات المسلحة و استمر فيها وطلب منه السفر خارج عدن للقيام بدورات في الريف ولكن نظراً لحاجة الأسرة له كأخ اكبر رفض ذلك و في نفس الفترة تم فتح باب القبول لعمال تحت التدريب لدى شركة بي بي (مصفاة عدن) ولكن بشرط النجاح في امتحان القبول والذي لم يكن قد جهز له وبالرغم من ذلك ولانه يجيد اللغة الانجليزية فقد نجح في الامتحان من ضمن المتفوقين وتم قبوله في العمل في المصفاة هو ومجموعة من اصدقاءة منهم محمد علي الدبعي والفنان محمد صالح عزاني وغيرهم واستمر فترة ليست بطولة في هذة الوظيفة لأنه قرر واختار العمل في مجال التربية والتعليم فتقدم بأستقالته من المصفاة وعندما رأى رئيس القسم (بريطاني الجنسية) استقالته لم يوافق عليها وحاول إقناعه بالبقاء ووعده بأن يساعده وبأن يرسل إلى بريطانيا ويمنحه دورات تدريبية وتأهيلية ولكن كان نفس السبب وهو حاجة الأسرة له كأخ أكبر واب ثاني لهم فكره واعتذر منه وأصر على الرحيل والالتحاق بالتربية والتعليم...
فألتحق للدراسة في معهد دارالمعلمين هو ومجموعة من زملائه أتذكر منهم الأستاذ نصر الشاذلي وبعدها بدأ مدرسا للجغرافيا واللغة الإنجليزية في المدرسة الغربية (عبدالله حاتم) رفقة صديقة الاستاذ طه غانم وغيره ثم انتقل إلى مدرسة الحسوة كنائب للمدير ومنها إلى مدرسة الجمهورية نائب للمدير وعلى يديه تخرج الكثير من المبدعين والمثقفين والرياضيين والأساتذة والسياسين والقادة وكبار رجال الدولة ومنهم الدكتور يحيى الشعيبي والذي زاره في منزله عندما كان محافظ لعدن والدكتور أحمد الهمداني والأستاذ أبوبكر هائل والاستاذ نبيل حمادي والأستاذ سمير عفارة والأستاذ عمر السيد والأستاذ نجيب والأستاذ خالد علي صالح كثيريين غيرهم لا يسعفنا الوقت لذكرهم...
تم اختيارة هو والأستاذ قاسم سعيد والأستاذ سيف الشيباني كأول ثلاثة موجهيين فنيين في العملية التربوية في عدن وكانت تلك هي نواة مكتب التوجية الفني في عدن والجنوب وكانوا يقومون بالنزول إلى المدارس والاشراف المباشر على مستوى المعلمين وتأهيلهم وتوجيههم وسيرالعملية التعليمة وذلك لكل مدارس عدن والمناطق الجاورة لها مثل فقم وعمران وجزيرة سقطرى والذهاب إلى الارياف لإلقاء الندوات وتبادل الخبرات وهو من اسس مكتب الجهيزات في مكتب إدارة التربية والتعليم والذي لم يكن موجود استمر في التوجية فكان موجهاً للغة العربية ثم التربية الاسلامية وكان يقوم بأختيار وترشيح المعلمين المتميزيين ويقوم بصقلهم وتأهيلهم لوظيفة التوجية الفني...
رافقه في رحلة الحياة والعمل كوكبة من خيرة الشخصيات والتربويين الذين أنجبتهم عدن والجنوب ومنهم قاسم سعيد وسيف الشيباني عبدة العزعزي وطه غانم ومحمد المقبلي عبدالله شرف وياسين الشعراني ومحمد عبدالرحمن علي العزعزي وسعيد غانم عبدة محمود وعبدالمجيد غانم وفيصل محمد عبدالله ونجيب اليابلي وأحمد المقبلي و علي بن طاهر وعبدالله الكتبي وحسين عولقي وأحمد السيد ومحمود عبدة قاسم وليلى السيد علي وآسيا أحمد منصور وعلي عبدة سالم وأنور المريدي وعبد سعيد وعلي باهرمز وفاروق عبد الغفور وحسين سلام وعوض واكد ومحمود ماطر محمد علي السكيرا وغيرهم كثيرين ممن اناروا الطريق لأجيال كثير واضاءوا لهم المستقبل بنور العلم والمعرفة فكانوا بالفعل قادتنا وقدوتنا فشكراً لهم جميعاً. ..
تم ترشيحه لمنصب الملحق الثقافي للسفارة اليمنية في الاتحاد السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي بطلب من الأستاذ القدير علي محمد عبدالله ولكن لم يتم منحه المنصب بحجة انه غير حزبي..
كرمه الرئيس علي ناصر محمد في عيد العلم (المعلم المثالي) واستمر في مهنة التوجية حتى بلغ سن التقاعد.
مرحلة النضال...
وخلال سنوات عمرة وبالرغم من انشغاله بحياته العملية والاسرية لم يبتعد تفكيره أبدا عن الوطن ولم يغيب عن فكر يوماً ما يعانيه الناس فسكن فيه حب الوطن وعشق الحرية والانعتاق من الاستعمار فقد تأثر بالزعيم العربي جمال عبدالناصرو بفكرة القومي التحرري كان ضد الماركسية..لقد كان الاستاذ حمودقاسم احد مؤسسي اتحاد القوميين العرب في عدن والجنوب برفقة صديقه وزميله الهامة الوطنية عبدالقادر امين وصديقه وزميله المناضل أحمد طاهر وكانوا من السباقين الاوائل في العمل النضالي التحرري ضد الاستعمار البريطاني وتواجده في أرض الوطن فقد بدأ بالعمل على نشر الوعي والحس الوطني القومي التحرري بين أوساط المجتمع سواءا كان ذلك من موقع عمله أو من خلال مكانته وعلاقاته الاجتماعية والعامة بدءوا بترتيب وتنظيم اللقاءات والاجتماعات بين الثوار وبعض القياديين في منزلهم بالشيخ عثمان حيث كان يتم كتابة وطبع ما تم الاتفاق عليه ومنه توزع المنشورات الوطنية بين المواطنين والطلبة لأجل الخروج في المسيرات وتطبيق العصيان المدني وتنظيم المظاهرات ضد التواجد البريطاني ومطالبتهم بالرحيل من أرض الوطن..وكانت والدته تخفي المتشورات في تنور الخبز (الموفا)خوفاً من حصول تفتيش مفاجئ من قوات الاحتلال للمنزل..
وكان يذهب إلى الضالع ليلقي محاضرات تثقيفية كما كانوا يقوموا بأخطاء وتخزين الاسلحة في منزلهم والتي يستخدمها الثوار في العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال ثم يقوموا بأرجاعها ومنهم المناضل علي مقبل حسين...
وبعد انتهاء مرحلة النضال والكفاح وخروج المستعمر البريطاني من أرض الوطن ومع بداية توسع الشق بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وما صاحبها من اختلافات واقتتال فيما بينهم عندها قرر الانسحاب بصمت والخروج وترك العمل السياسي وقال (عندما رأيت الأخوة تقتتل فيما بينها اركت بأن الوطن هو الخاسر الأكبر ولم أريد أن أشارك في قتل الوطن..)
اشقاءه أديب ورضوان علاءالدين..
للأستاذ حمود اربعة اولاد رائد لبيب محمد ايمن و سبعة بنات.
وهكذا انطوت صفحة ناصعة البياض لاحدى الهامات التربوية والعلامات الوطنية الفارقة في زمان لم ولن تتكرر مثلها ولكن تركت لنا إرث ثقيل وكنز عظيم سيبقى لنا وبيننا نتعلم منه معنى الوفاء والاخلاص والعظمة والشموخ ونتزين بالجواهر الثمينة التي ابقوها لنتداول سيرتهم العطرة ونحكيها لمن بعدنا جيل بعد جيل ليعلمونا ماذا صنعوا اجدادهم لينعموا بالحياة الكريمة فهؤلاء هم اباءنا من سطروا التاريخ بأحرف من نور فهنيئا لنا بهم...رحم الله الأستاذ حمود قاسم علي الأب والتربوي والمعلم و الانسان التقي واسكنه فسيح الجنان هو وكل موتى المسلمين...اللهم آمين